الشطرنـج المغربي في مفترق الطــرق

Le 17/03/2024

 

الإبرة والهشيـم

الشطرنـج المغربي في مفترق الطــرق

Maroc Echecs 01 décembre 2008

Par Mohamed Moubarak Ryan

Mmr photo

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته *** يومــا على آلــة حدبـاء محمــول

كعب بن زهير

وتستمر الحياة... ليس من السهل نسيان أخ عزيز، انتقل إلى بارئه في ريعان شبابه، وأجمع كل الشطرنجيين الذين عرفوه على الإشادة بشمائله وسمو أخلاقه. لقد خلف وراءه الذكر الحسن، وهو ما يتبقى للإنسان في هذه الدار الفانية. تغمد الله الفقيد العزيز طارق الرغيوة برحمته الواسعة، وبوأه مقعد صدق مع الصادقين الذين اصطفاهم إلى جواره، وألهم أهله وذويه الصبر الجميل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

• وليس هذا المقال المتواضع من وحي الحدث الأليم والمصاب الجلل. وإن كانت الوفاة المفاجأة للعزيز طارق جاءت لتفضح ضعفنا، وتنبهنا إلى عيوبنا، وتعيدنا إلى حيث نحن، كبشر متواضعين عاجزين أمام سطوة الموت، حائرين إزاء قدر الله وقضائه. فقد انبثقت فكرة المقال من ثنايا الحوار الهام الذي أجراه الأخ مراد المتيوي مع الأستاذ الدولي الكبير هشام الحمدوشي منذ بضعة أيام، ونشره على صفحات الموقع.

• وبغض النظر عن الإحساس الطافح بالمرارة الذي ينبعث من أجوبة هشام الدقيقة، وتأثره الشديد من نكران الجميل الذي أسداه لبلده، على مدى عشرين سنة من التألق الرياضي على المستوى العربي والإفريقي والدولي، الأمر الذي يبرر قراره المؤسف بالانتقال مستقبلا إلى لائحة التصنيف الفرنسية والتباري تحت الراية الثلاثية الألوان... فقد أبان بطلنا القومي عن حس نقدي وقاد، يتجاوز انشغالاته المشروعة كلاعب محترف يتعين عليه تدبير مستقبله الرياضي، إلى تقديم تشخيص عقلاني ينم عن إدراكه لمكامن الخلل التي تعوق تطور الشطرنج المغربي.

• وأولى مظاهر الخلل التي تشكو منها الرياضة الذهنية ببلادنا ـ حسب هشام ـ تتجلى في ضعف التسيير الجامعي، رغم الطاقات الهائلة التي تتوفر عليها، والمواهب الشطرنجية التي تزخر بها؛ وتشتت الكفاءات الوطنية وتنافرها، بحيث ينعدم جهاز كفء وفعال يعرف كيف يصهرها في بوتقة واحدة، ويستخرج منها منتوجا يتميز بالقوة والإتقان، يفرض نفسه على القطاع المكلف بالرياضة، ويمارس جاذبيته على عالم الاحتضان والاستشهار . وأضيف أن المشهد الشطرنجي المغربي يتسم أيضا بعدم الاستمرارية؛ فليس هناك تراكم ملموس للتجارب في مجال التسيير الشطرنجي الوطني، حيث يضطر كل جهاز جديد إلى الانطلاق من نقطة الصفر، والادعاء ـ جهلا أم كذبا ـ بأن البداية الحقيقية للحركة الشطرنجية ستتم مع الرئيس الجديد. وفي نفس السياق، تضطر الأطر التي ساهمت ـ حسب إمكانياتها ـ في التدبير الشطرنجي السالف إلى الانزواء بعيدا، لتفسح المجال لعناصر ذات دراية متواضعة وتجربة تقنية محدودة. ولا يحسن أن أقدم ـ في هذا المقام ـ أسماء معينة، لأنني لا أتحدث عن حالات شخصية.

• وثاني مواطن الضعف في المشهد الشطرنجي الوطني، تعود إلى مكانة الرياضة النبيلة بين سائر الرياضات المغربية. فالقطاع الوصي يمارس وصايته الإدارية على أربعة وأربعين جامعة رياضية وطنية. وباستثناء كرة القدم وألعاب القوى، ورياضة كرة المضرب بحسب الظروف والنتائج، لاتلقى باقي الرياضات اهتماما لائقا ولا صدى واسعا في وسائل الإعلام، ولا تحظى بالشعبية الكافية لاستدراج دعم المؤسسات المالية والاقتصادية الهامة. وهناك واقع استثنائي يتعلق ببعض الرياضات الموسومة بالنخبوية مثل الغولف والفروسية التي تفرض حضورا تلفزيا طاغيا، وتجلب مستشهرين بارزين نظرا لطبيعة الشخصيات النافذة التي تتولى شؤونها... ومن الصعوبة بمكان ـ كما أشار إلى ذلك مرارا الأخ عبد الحفيظ العمري ـ أن يخط الشطرنج الوطني طريقه الصحيح، في بيئة غير شفافة، دون أن يستعين برجال نافذين، وإدارة ديناميكية قادرة على استجلاب الموارد المالية الضرورية، ومواكبة الإنجازات الفردية والجماعية التي يحققها الأبطال والبراعم المغربية الناشئة. وأعتقد أن الشطرنج يتمتع ـ رغم كل شيء ـ بصورة إيجابية لدى وسائل الإعلام والجمهور العريض على السواء، كرياضة راقية "صعبة"، تمارسها النخب الواعية بالخصوص، وهي مفاهيم غير دقيقة وربما غير واقعية، لكن يمكن توظيفها بشكل إيجابي، لكي يرسخ الشطرنج موقعه في الساحة الرياضية الوطنية.

• أما ثالث مكامن القصور في الواقع الشطرنجي المغربي، فتعود ـ في رأيي المتواضع ـ إلى الضعف البنيوي للأندية الوطنية. فحيث إن خلق ناد شطرنجي لا يتطلب إمكانات مادية أو بشرية هامة، فقد انتشرت العديد من الجمعيات على امتداد التراب الوطني، دون أن تتوفر على المواصفات الدنيا المطلوبة لتسيير ناد رياضي؛ بل والأدهى من ذلك فقد تناسل بعضها لأهداف انتخابية بحتة؛ قد يكون من إيجابيات هذا النمو الكمي انتشار لعبة الشطرنج أفقيا، واكتساب لاعبات ولاعبين شباب يعدون الآن بالآلاف ( ولو بدون بطاقات جامعية)، لكن كل ذلك كان على حساب الكيف، وحسن التأطير ودقة التنظيم. ويظل الداء الذي يحتاج إلى معالجة جذرية، عجز الأغلبية الساحقة للأندية المغربية، عن التأقلم مع صفتها المطلوبة كأندية رياضية بكل معنى الكلمة، والتكيف مع مرحلة انتقالية عاشتها في ظروف غير صحية، وفرضت عليها التخلي عن نمطها السائد كجمعيات ثقافية أو ترفيهية.

• ويتعين علينا لعلاج مظاهر الخلل الرئيسية التي تطرقت إليها باختصار، أن نتوفر ـ قبل كل شيء ـ على قاطرة حديثة جيدة قادرة على تحريك القطار الشطرنجي الوطني والسير به ـ تدريجيا ـ إلى محطات متوالية، دون أن تتعطل في وسط الطريق، فتحتاج ـ في كل مرة ـ إلى آليات للإنقاذ... إن الشطرنج المغربي يوجد الآن فعلا في مفترق الطرق. فبعد تجاوز الفترة الأمزالية الحرجة، وتعديل المسار الجنوني الذي انحرفت إليه الجامعة الملكية المغربية للشطرنج، من خلال الجمع العام "العادي" ليوم ثاني نوفمبر 2008 ، صار من الضروري الشروع في إعادة بناء هذه الهيئة التي تلم شمل الأندية الشطرنجية المغربية على قواعد قانونية وتنظيمية سليمة، انطلاقا من اعتماد نظام أساسي ديمقراطي، والاتفاق على فترة انتقالية لا تتعدى سنة واحدة، إن اقتضى الحال، وانتهاء بانتخاب رئيس كفء وطاقم جامعي منسجم يتوفر على الشروط الدنيا لتدبير جامعة رياضية طموحة. وفي هذا الصدد أرى أن التريث في الاختيار واتخاذ القرار، سيجنب الجامعة مزيدا من المزالق قد تودي بها إلى هوة سحيقة ما لها من قرار...

محمد مبارك ريان

 

 

Maroc Echecs 2008